رواية "الأسود يليق بكِ" هي إحدى أشهر أعمال الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، صدرت سنة 2012، وواصلت من خلالها مشروعها الأدبي الذي يجمع بين السرد الروائي واللغة الشعرية المفعمة بالإيحاءات. تنطلق الرواية من حكاية فنانة شابة تُدعى هالة الوافي، وهي مغنية جزائرية في مقتبل العمر، تحمل في صوتها ما يشبه الصرخة ضد العنف والاغتيالات التي عرفتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، حين تم اغتيال والدها الفنان المعروف على أيدي المتطرفين. ارتدت هالة اللون الأسود وفاءً لذكرى والدها، وصار هذا اللون رمزًا لحزنها وأيضًا لصلابتها وتعبيرًا عن ألمها، حتى دخل الملياردير اللبناني طارق بن زياد حياتها.
تبدأ القصة بلقاء بين هالة وهذا الرجل الثري الذي يقع في حبها منذ اللحظة الأولى، فيسعى بكل نفوذه وماله إلى امتلاكها، أو بالأحرى إلى تشكيلها وفق ما يريد. غير أنّ شخصية البطلة تنبني على الرفض والمقاومة، فهي لا تسمح بأن تتحول إلى "دمية" في يد رجل مهما بلغت ثروته وسطوته. من هنا تبرز المفارقة الأساسية التي تقوم عليها الرواية: صراع بين الحرية والسيطرة، بين الحب الذي يُفترض أن يكون مشاركة وجدانية، وبين التملك الذي يحوّله إلى سلطة واستعباد.
لغة أحلام مستغانمي في هذا العمل هي لغة شاعرية إلى أقصى الحدود، فهي تنسج السرد بخيوط من الاستعارات والتشبيهات، حتى إن القارئ يشعر أنه أمام نص شعري مطوّل أكثر مما هو أمام رواية تقليدية. الحوار بين الشخصيات لا يخلو من حكم وتأملات فلسفية، إذ تحرص الكاتبة على أن تجعل من تجربة الحب مساحة للتفكير في قضايا أكبر: علاقة المرأة بجسدها، بعاطفتها، بمكانتها في مجتمع ذكوري متسلط، وكذلك علاقتها بالذاكرة الجماعية المليئة بالألم والجرح. الرواية إذن ليست فقط مجرد قصة عاطفية بين رجل وامرأة، بل هي أيضًا نص فكري وفلسفي عن الأنوثة المقاومة، وعن قدرة المرأة على فرض استقلاليتها رغم محاولات الاحتواء. الأسود الذي ترتديه البطلة يتحول إلى رمز للكرامة، فهو ليس مجرد لون للحزن بل هو ردّ فعل جمالي وسياسي على العنف. إنه إعلان عن هوية صلبة في مواجهة محاولات الطمس.
أما شخصية طارق بن زياد في الرواية، فهي تجسيد للرجل الشرقي الذي يظن أن المال قادر على شراء كل شيء، بما في ذلك الحب. إلا أنّ هالة تُفشل مشروعه، وتبقى محتفظة بمسافة تفصلها عنه، حتى وإن أعجبت به. بذلك تنجح الرواية في تفكيك صورة العلاقة التقليدية بين الرجل الثري والمرأة الشابة الطموحة، وتطرح أسئلة وجودية حول معنى الحرية والحب في زمن العولمة والثراء الفاحش.
أما على المستوى النقدي، فقد لاقت الرواية صدى واسعًا لدى القرّاء العرب، خصوصًا أنها تمزج بين البعد الرومانسي وبين الأسلوب الشعري الذي اشتهرت به مستغانمي منذ روايتها الأولى "ذاكرة الجسد" غير أنّ بعض النقاد رأوا أن العمل يبالغ أحيانًا في الزخرفة اللغوية على حساب البناء السردي، مما قد يرهق القارئ الذي يبحث في الرواية عن أحداث متصاعدة. ومع ذلك، تظل رواية "الأسود يليق بكِ" شهادة واقعية على قدرة الأدب على إعادة صياغة الألم الشخصي والوطني في شكل جمالي مختلف.
تعكس الرواية رؤية أحلام مستغانمي لمكانة المرأة العربية التي ترفض أن تكون مجرد امرأة خانعة، بل تصر على أن يكون لها صوتها الخاص وحقها في تقرير مصيرها. الأسود الذي يليق بهالة هو لون الصمود والذاكرة، ولون التحدي أيضًا. إنها رواية تعبر عن الحب والحرية، عن الفقد والوفاء، عن الجمال الذي يولد من رحم المعاناة. بهذا المعنى، تبقى رواية "الأسود يليق بكِ" نصًا أدبيًا يزاوج بين الشعر والفكر، وبين الحكاية الفردية والسياق الجماعي، ويمنح القارئ متعة جمالية وفكرية في آن واحد. في النهاية، تذكّرنا رواية "الأسود يليق بكِ" بأن الحب الحقيقي لا يعني التملك، وأن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على الحفاظ على الذات والكرامة وسط كل التحديات. هالة الوافي، بالأسود الذي ترتديه، تعلمنا أن الحزن يمكن أن يتحول إلى رمز للصمود، وأن الألم يمكن أن يولّد جمالًا يلامس القلوب والعقول. إنها دعوة لكل قارئ للتأمل في معنى الحرية والهوية، وللوقوف بفخر أمام محاولات الطمس والاحتواء. الرواية، بكلماتها الشعرية وأحداثها المشحونة بالعاطفة، تثبت أن الألوان ليست مجرد ظلال على الورق، بل هي لغة الروح، ورسالة القوة والصمود التي يمكن أن يتركها الأدب في حياة كل إنسان.